ابنتي الطالبة سلام الله عليكِ ورحمته وبركاته، كل عام وأنتِ بخير، ترتقين في سلم التفوق والنجاح والسعادة لتكوني في كلِّ عام أفضل من العام الذي سبقه كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يشبع المؤمن- وطبعًا المؤمنة- من خير قط حتى يكون منتهاه الجنة"، وحيث إنكِ شخصية مهمة ليس فقط لنفسكِ، ولكن لأسرتك ومجتمعكِ وأمتكِ، فالجميع ينتظر منك الكثير.. وقبل هذا وذاك رضا ربكِ عنك الذي ستحققين بإذن الله إذا قمتِ بواجبكِ على خير ما يحب ربنا ويرضى؛ فتكوني صالحةً مصلحةً كالماء الجاري، طاهرٌ في نفسه مطهرٌ لغيره.
ابنتي الحبيبة.. لعلكِ بعد الامتحانات سئمتِ تلقي الأوامر من كلِّ مَن حولك، افعلي كذا ولا تفعلي كذا، ولماذا فعلتِ كذا؟ ولِمَ لَمْ تفعلي كذا؟ أنا معكِ فهذا أسلوب ممل، وأحيانًا يدفع العناد إلى تعمُّد المخالفة.
ولكني سأضعُ أمامكِ آيةً أو حديثًا، وسأترك لكِ أنتِ كيف تقترحين وسيلة عملية لتنفذي هذه الآية من كتاب الله عز وجل، كما كان حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم (خلقه القرآن)، أو سأضع أمامكِ حديثًا من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأرجو منك أن تفكري كيف تحولين ما فيه إلى خلقٍ أو سلوك؛ حتى تفوزي بأن ينضِّر الله وجهكِ في الآخرة، كما تحرصين على نضارة الوجه في الدنيا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لكِ بدعوةٍ مستجابةٍ بإذن الله أن ينضر الله وجهك إذا سمعتِ مقالته (حديثه)، "فوعاها فأداها كما سمعها"، أن تنقليها إلى غيركِ من الزميلات أو القريبات، فلكِ مثل أجورهن لا ينقص من أجورهن شيئًا.
أولاً: بالنسبة لنفسكِ اسمعي معي هذه الآية بقلبكِ لا بأذنيكِ ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾ (الإسراء)، وضعي لنفسكِ برنامج محاسبة على الفرائض والنوافل وأعمال الخير والبر، وكذلك الأخلاق الفاضلة، والتخلص من الأخلاق التي ليست كذلك، وأنتِ أدرى بنفسك مني ومن الآخرين، كما يقول الخليفة الأول أبو بكر الصديق: "اللهم أنتَ أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي من الناس، فاغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرًا مما يظنون".
ثانيًا: وبالنسبة لأسرتكِ وأهلكِ يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، ما نأخذه منه، كيف يترتب أن يكون الخير ابتداءً منكِ لأقرب الناس إليك، فالأقربون أولى بالمعروف.
ثالثًا: أما دائرة المجتمع؛ فالطالبة المسلمة التي تحمل نور العلم والأخلاق الذي شرَّفها الله به، إنما أعطاه لها لتنير للذين ليس عندهم هذا النور طريقهم ﴿نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..﴾ (الأنعام: من الآية 122)، كما يقول الله- عزَّ وجل- في كتابه العزيز، فكيف ستنيرين الطريق لغيرك؟ هل فكرت في وسائل لذلك؟ لتكوني قدوة لغيركِ، وتأخذي مثل أجرهن، فخير الناس أنفعهم للناس، وتذكري من كانت تقوم الليل وتصوم النهار، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها "هي في النار" والعياذ بالله.
رابعًا: أما أمتكِ الإسلامية فهي في أمسِّ الحاجة لمساعدتكِ لها بالدعاء أن يرفع الله ما حلَّ بها من البلاء عنها، ويعيد إليها مقدساتها وكرامتها، وأية وسيلة من وسائل الدعم لإخوانك في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير.. وغيرها كثير؛ لأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
واعلمي يا ابنتي أن الله عندما أراد أن يضرب مثلاً لكل المؤمنين والمؤمنات ضرب مثلاً بامرأتين صالحتين (مريم ابنة عمران رضي الله عنها)، و(امرأة فرعون)، وعندما أراد أن يضرب مثلاً للكافرين والكافرات، ضرب مثلاً بامرأتين أيضًا، ولو أنهما زوجتي أنبياء، وهذا يُنبه إلى أهمية المرأة الصالحة، وخطورة المرأة الكافرة.
فنسأل الله أن يعين كل المسئولين على حسن إعدادكِ، ويعين أهلكِ ويعينكِ أنتِ أيضًا على ذلك.
والآن ابنتي الكريمة.. قبل أن أودعكِ على أمل لقاء آخر، أترك لك هذه السطور لتكتبي أنت بخط يدكِ ما عزمت عليه من خير، ولتكن فقط ثلاث نيات:
أولاً بالنسبة لنفسك: نويت.
بالنسبة لأسرتك ومجتمعك: نويت.
بالنسبة لأمتك: نويت.
تقبل الله منا ومنكِ، ولا تنسينا أختي العزيزة الغالية في دعائك، وبارك فيكِ وأسعدكِ، وأسعد بك أبواكِ وأخوتكِ وأهلكِ وجيرانكِ ومجتمعكِ وأمتكِ، وهداكِ وهدى بكِ وجعلكِ سببًا لمن اهتدى. وسلام الله عليكِ ورحمته وبركاته.